في رحاب حياة المسيري | باسم الجنوبي



قلم : باسم الجنوبي  ،ساسة بوست

لم يكن الدكتورعبد الوهاب المسيري مجرد ناشط
 سياسي أو مُحاضر في الجامعة أو باحث عميق فقط، بل كان قبل ذلك وبعده "إنساناً كما يجب" وعالم موسوعي متحرك بعلمه وفكره في دنيا الناس بالإضافة لها والنقد، وقد قنن المسيري لهذه النزعة الإنسانية طوال مسيرته العلمية كتابةً وتأليفاً وسلوكاً، لذلك حاز احترام وحب المختلفين معه قبل أصحاب فكره وتلامذته.
مؤلفات المسيري كثيرة وإضافتها للمكتبة العربية والعالمية وإفاضتها على قارئها بارزة لدرجة الإبداع، لكن مسيرة حياته كمثقف متفاعل مع أحداث الواقع لها إضافتها وإفاضتها لا تقل عن مثيلتها من إضافات كتبه ومؤلفاته،بكونه كان يحاول أن يكون معرفة وثقافة تمشي على الأرض وتتفاعل مع معطيات الحياة كما لم يحدث كثيراً في الواقع،لذلك كثرت الكتابات والكتب التي تناولت "ظاهرة المسيري" لروعة وكثرة الدروس فيها،لدرجة أن قال أحد أستاذة المسيري له "إن الحياة بعد إطلاعي علي رحلة المسيري الفكرية تختلف عن الحياة قبل الإطلاع عليها".!

وكتاب"رحلة عبد الوهاب المسيري الفكرية،قراء في فكره وسيرته" الذي أعده د.عمرو شريف من أهم ما كُتب عن المسيري،حيث حاول الكاتب تتبع رحلة المسيري الحياتية والفكرية راصداً أهم محطاته وإنجازاته ليربطها بأفكاره التي بثها عبر كتاباته،ليقدمها للأجيال الحالية والقادمة كأنها مشاعل هادية علي طريق تنوير العقول وتثوير الهمم للثقافة الفاعلة في الحياة.

ويتكون الكتاب من جزأين،في الأول يرصد الكاتب تحت عنوان "التكوين" بداية حياة المسيري في مسقط رأسه (دمنهور) وكيف شكلت الطبيعة المصرية طبعه البسيط البعيد عن التكلف،وكيف تشكّل وعيه بمروره علي التيارات الفكرية المختلفة ،،كما مرّ علي حياته الجامعية وكيف أثرت علي وعيه وفكره،كما تعرض الكاتب إلي كيفية تأثر المسيري بالشعائر الدينية في مصر،كما ينقل الكاتب بعض أراء المسيري ونظراته التراحمية في الطقوس المصرية التي يقوم بها المصريون في شهر رمضان وفي الأعياد من تواصل بينهم وإحسان إلي فقرائهم ويقارن هذا بما يحدث في الغرب- الذي عايشه بعد ذلك-  ليرى أن المعاملات التعاقدية هي السائدة،كما ينقل أراء المسيري في موضوعات عديدة مثل (الحب والزواج،السعادة، المرض،الوعي بالموت،التأمل،الحياة في أمريكا،الثروة،الشهرة،الثقافة وجمع المعلومات،المادية،الإستهلاكية،نسبية القيم،المرأة،الحرية،الإيمان، التقدم العلمي...)

وفي الجزء الثاني من الكتاب "عالم الأفكار"، يتناول فيه الكاتب أدوات المسيري الفكرية المختلفة والتي تضبط رؤيته للحياة ويمكن بها تفسير معالم مسيرته الحياتية بكل مكوناتها المتعددة وتساعدنا علي النظر بعين المسيري للأشياء حتى وإن لم يراها هو،ولعلّ أهم هذه الأدوات "النظرة الموضوعية للواقع بربطه بالماضي والمستقبل،ربط المعلومات في سياقها،الفرق بين الحقيقة والحق،الفرق بين المعرفة والمعلومات،التعاملات التراحمية والتعاملات التعاقدية...)
وبين طيات الكتاب سيجد القاريء كلمات ذهبية وعبارات في غاية الإلهام إما بلفظ المسيري أو من وحي قلمه،وما يأتي من أمثالها...

- أنت إنسان بإنسانيتك،لا بماديتك.
- الإنشغال بالتاريخ يعني أن ينظر الإنسان إلى واقعه بإعتباره نقطة يلتقي فيها الماضي بالمستقبل.
- التأمل..الطريق إلى الثقافة.
- أرى أن السعادة لا تهبط هكذا من السماء،وإنما هي مثل العمل الفني،لابد أن يكدّ المرء ويتعب في صياغته وصنعه.
- الإذعان والقبول بالأمر الواقع هما جوهر الجمود والرجعية.
- علينا أن نبتعد قدر الإمكان عن المعارك الصغيرة التي تستهلك حياتنا.
- الايمان لم يولد داخلي إلا من خلال رحلة طويلة وعميقة، إنه إيمان يستند إلى رحلة عقلية طويلة ولذا فانه إيمان عقلي لم تدخل فيه عناصر روحية فهو يستند إلى عجز المقولات المادية عن تفسير الإنسان وإلى ضرورة اللجوء إلى مقولات فلسفية أكثر تركيبية.
- المثقف لابد أن يكون في الشارع.
- ويل للمرء الذي يربح كل شيء ويخسر نفسه.
- من عرف نفسه،عرف ربه.
- الإنسان البراجماتي لا يكترث بالثوابت ولا يهتم بالقيم مثل الكرامة والشهامة،فهو إنسان مرن إلي أقصى حد،وعملي بشكل متطرف،يقبل أي شيء طالما أنه يحقق النجاح،لذا ينتهي به الأمر إلي ضمور روحه.
- مستنقع النسبية المطلقة،أصاب السياسة والفنون بالعفن.
- الحضارة الغربية خلقت قبراً يكفي لدفن العالم.
- الإنسان هو النوع الوحيد من المخلوقات الذي يتميز كل فرد فيه بخصوصيات لا يمكن محوها أو تجاهلها،كما أنه ظاهرة متعددة الأبعاد ومركبة غاية التركيب ولا يمكن اختزاله إلي بُعد واحد أو في وظيفة واحدة
- السقوط في الوحل أسهل كثيراً من الصعود إلي النجوم.

أما بعد ،فإن دروس مسيرة المسيري-رحمه الله- كثيرة،لكن أثمن هذه الدروس يتلخص في أن العقل الكبير لا قيمة له بلا قلب كبير،وأن أي منجز أو تقدم مادي لا قيمة له ما لم يتلازم مع تقدم أخلاقي يحفظ لحياة الإنسان إنسانيتها ونضارتها وتفردها.
                                                       وثائقي عن المسيري
                         
تعليقات فيسبوك
0 تعليقات بلوجر